وكما نقلنا عن الإمام
ابن كثير وهو شافعي ننقل عن
ابن رجب وهو حنبلي، حيث يقول رحمه الله في
جامع العلوم والحكم في شرحه لحديث جبريل عليه السلام: (والمشهور عن السلف وأهل الحديث أن الإيمان قول وعمل ونية، وأن الأعمال كلها داخلة في مسمى الإيمان، وحكى
الشافعي على ذلك إجماع الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن أدركهم، وأنكر السلف على من أخرج الأعمال من الإيمان إنكاراً شديداً). وهذا حق،
فالسلف أنكروا على من أخرج الأعمال أو بعضاً منها عن الإيمان إنكاراً شديداً. قال: (وممن أنكر ذلك على قائله وجعله قولاً محدثاً:
سعيد بن جبير و
ميمون بن مهران و
قتادة و
أيوب السختياني و
النخعي و
الزهري و
إبراهيم و
يحيى بن أبي كثير وغيرهم، وقال
الثوري : هو رأي محدث، أدركنا الناس على غيره)، فـ
الثوري يقول عن القول بإخراج العمل من الإيمان، وأن الأعمال والطاعات ليست من الإيمان: (هو رأي محدث). فحكم عليه بالابتداع، وأكد ذلك ووضحه بقوله: (أدركنا الناس على غيره) أي: أدركنا الأئمة الكبار العلماء الذين يؤخذ عنهم العلم. وهذه الأقوال التي نقلها الحافظ
ابن رجب ذكرها
اللالكائي في عقائد هؤلاء الأئمة، ونقلها
الطبري في
تهذيب الآثار ، وغيرهم ممن نقلوا عن هؤلاء الأئمة عقائدهم.وكلام الإمام
الشافعي مهم جداً في هذا المقام، وترجع أهميته إلى أن أكثر
الأشعرية ينتسبون إلى الشافعية، ثم بعد ذلك إلى المالكية، لكن أوائلهم كانوا شافعية، فمهم جداً أن نثبت أن
الشافعي رحمه الله كان يقول بخلاف هذا القول، وما أكثر ما يقول بعض الناس: أنا شافعي، أو حنبلي، أو مالكي، أو حنفي، ويخالف هؤلاء الأئمة في الأصول وفي الفروع! فهي مجرد نسبة يتعصبون لها ويتقاتلون عليها وهم لا يتبعون هؤلاء الأئمة ولا يقتدون بهم في عقائدهم ولا في عباداتهم ولا في أخلاقهم ولا فيما ثبت عنهم من الخلال والخصال الحميدة، إنما أخذوا هذه النسبة ليتعصب بعضهم على بعض بها وليتقاتلوا وليختلفوا كما هو الواقع، وحسبنا الله ونعم الوكيل. يقول شيخ الإسلام
ابن تيمية رحمه الله عن هذا النقل عن الإمام
الشافعي : (وقد ذكرنا عن
الشافعي ما ذكره من الإجماع على ذلك قوله في
الأم : وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ومن أدركناهم يقولون: إن الإيمان قول وعمل ونية، ولا يجزئ واحد من الثلاثة إلا بالآخر)، وهذا الكلام ذكره في كتاب
الإيمان، وذكره أيضاً تلميذه الإمام
ابن القيم في
زاد المعاد .فهذا تأكيد من قبل علماء كثر مثل
ابن رجب و
ابن كثير و
ابن تيمية و
ابن القيم و
أبي عبيد ، كلهم متفقون على أن الإمام
الشافعي مذهبه أن الإيمان قول وعمل. ومع الأسف أن نجد بعد ذلك أن الشافعية يقولون: إن تارك الصلاة ليس بكافر، وإنما يقتل حداً لا كفراً، وهذا القول الراجح عندهم، وإلا فلهم قول آخر، وهذا يخالف ما ذكره
الشافعي رحمه الله، ولإيضاح ذلك مكان آخر إن شاء الله.